وَخْزةُ عَيْن !


 


وَخْزةُ عَيْن !

********

جلست بجانب رفيقتها شاردة ، سألتها: لم الشرود يا رفيقة ؟! أجابتها : كم الأحداث وما مضى !  وما فوّت عليَّ من فرص يا أُخية ! سألتها ، وهل هذه الأحداث تستحق كل هذا الحزن المطل من عينيك ؟! أجابتها ، عنوةً يا أخية، ولا أستطيع الفكاك ! قالت : لِتحكي لي حدثًا واحدًا لتلك العينين الجميلتين برغم الحزن المطل ، انثري قليلا ليخف الحمل بعض الشيء .

شردت بفكرها بعيدًا، حين تعلقت أنظارها إلى السماء بعد الركوع والسجود ؛ رباه ، ليس لي سواك ينجيني ويربت على قلبي المرجوف وعقلي المشتت ، لم يعد لي قدرة على استيعاب الأحداث التي تسلخ من جلدي وتنخر في أعصابي، وليتني أستطيع الصراخ لأستفيق قليلاً وأنثر بعضًا من حمم دواخلي !

رباه ، لم كل هذا يحدث لي ؟ ومن ذياك المترصد بخناجره صوب صدري ؟! رباه ، ليسكن ذاك الصدر المرجوف قليلاً ، ويستقر عقلي المشتت بعض الوقت ! رباه ، فوضت إليك أمري فليس لي من حيلة ، أنت حسبي وملجأي وملاذي، ونعم الملجأ والملاذ.

تذكرت حين رفعت مصلاها ، وتناولت سبحتها وقد خف بركان دواخلها قليلا بمناجاتها ، وقفت في شرفتها تسبح بعينيها في السماء شاردة ، تتمتم بحبات سبحتها وقد جن الليل وغطى الظلام المكان إلا من بعض أنوار المصابيح في أسفل شرفتها ، التفتت على غير انتباه ، لترى الفتاة على عتباتها بالجوار تحث أمها : هيا ، ماذا تنتظرين ، ثم تناولها شيئًا تجهل ما بداخله فتأخذه وتضعه في صدرها وتسير في ذاك النور الخافت !

نظرت إليهما غير عابئة بهما ؛ لتشعرهما أنهما ليسا بوزن ولا مكان في نظريها ، ولم يدر بخلدها أنهما غير منتبهتان لتواجدها في شرفتها أعلى رأسيهما !

استمرت في التسبيح والذكر ، آملة أن ترى الحقيقة رأي العين ، ويسبح فكرها فيما مضى من أحداث شيبتها قبل المشيب ، تتحسس أناملها حباتها بالذكر وعقلها يسبح فيما مضى من أحداث وتتساءل : رباه ماذا يحدث لي ؟! رباه ، فرحة في القلب سُرقت ، واستبدلت بذياك الحزن الطاغي ، لم ؟! وكيف ؟! رباه ، أريد الابتعاد حيث لا أحد ، حيث لا مكان أُرى فيه ، حيث لا بشر !

مالت بعينيها التي حاولت أن تغالبهما النظر لتشعرهما أنهما لا شيء ولا تعبأ بتواجدهما !  رأت تلك الأم تسير  قليلا حتى شرفة المنزل الأرضي وتنظر فيه من بعيد ، وقد خلا المكان ، دهشت ، لم تنظر هذه المرأة من بعيد وتتطلع إلى شرفتنا ؟! ثم تراها تسير أمام البيت ذهابًا وإيابًا،  وتتعلل ببكاء طفل صغير وهو في صمت! دهشت الفتاة مرة أخرى، لم تحاول إسكاته وهو ساكت لا يبكي ؟! ولم تقطع تلك المسافة ذهابًا وإيابًا بهذه الطريقة ؟!

وفجأة تلقفت تلك المرأة هواء صدرها، حيث الشيء المخبأ فيه لترميه أرضًا ، ومع الرمية وَخْزة تطير إلى عيني الفتاة الذاكرة المتوسلة ! لم تنتبه في بادئ الأمر ، وعندما عادت المرأة  الكرة ، ومع قبضة يدها لهواء صدرها ورميه أرضًا تشعر بوخزة العين فتنتبه !  ويرجف قلبها ، هنا تستجمع كل حواسها لتتأكد في المرة التالية، فترى المرأة تتلقف هواء صدرها مرة أخرى وترميه أرضًا، فتتأهب الفتاة لوخزة عينيها ، أتصلها أم هي الظنون ؟! ومع تتابع يدها ورميتها تشعر بوخزة العين حقيقة لا ظنونًا ! رباااااه ، أنت حسبي ونعم الوكيل !

.

...منال

منال

وما قلبي عليه ألوم أن يهوى طبائعه ولكني ألوم هواي لا يشبعنْ جائعه على أني لأشبعه بنزف الحرف من دمي ومكويٌ مدامعه

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال