تعب من الرقاد ، أراد أن يسير قليلاً في طرقات المَشْفَى لينفي عنه سأمه ، وربما يقل ألمه ، مشى قليلاً ثم جلس على مقعدٍ بجوار غرفته ، طأطأ رأسه ليجول فكره بأحداث خِضم ، وكيف صارع حتى وصل إلى غرفته هذه ، إجراءات تلو إجراءت جعلته يتصبب عرقًا ويحمد الله أن مرضه ليس بالعضال ليتحمل ، وكان الله في عون مَن لا يتحمل فيزداد مرضًا على مرض !
رفع رأسه ليرى رجلاً يتوكأ على قدمين أخذ منهما الزمن الكثير ، يسير في طرقات المشفى يبحث عن غرفةٍ بعينها ، سأل إحداهن ، بنيتي ، أين غرفة ٢٢٤؟ ردت قائلة : اسأل الأبلة ، توجه إلى مَن أشارت قائلاً : يا أبله ، أين غرفة ٢٢٤ ؟ نظرت إليه شذرًا والكبرياء يشوه تلك المساحيق التي غطت ملامحها المتجهمة ؛ أنا مش أبلة، أنا دكتورة ، استحى الرجل قليلاً واستأنف قائلاً طيب يا دكتورة ، معلشي ، أين غرفة ٢٢٤ ؟ التفتت عنه غير عابئة وقالت بكبر مقيت ، معرفشي ، وتولت عنه لا تآلو !
راقب الأمر ، واستشاط غضبًا ؛ كيف لتلك أن يكون هذا ردها على رجلٍ في مقام أبيها وإن لم يكن مريضًا ؟! أهي بالفعل طبيبة تستأهل هذا اللقب الذي تجهمت من أجله ؟! أهذا هو قسم المهنة والبر به ؟! تخيلها وهي واقفة بين الجمع تقسم وفرحة التخرج تلألئ العيون ، أكانت تدرك معنى الكلمات التي تردد ؟! أكانت تنتوي أن تجعلها واقعًا ؟! أم كان الترديد باللسان وقد غاب الجَنان ؟! ألم تعلم هذه أن بشاشة الوجه والكلمة الطيبة من صميم العلاج ومن أساليب مهنتها ؟!
جلس يراقب الوجوه ، لقد غيروا لون الملابس ، ليستبدل البياض باللون الأزرق ، نعم ، تلك الطبيبة كانت ترتدي اللون الأزرق ، إذن ، اللون البمبي هذا لمن ؟! نعم للممرضات ! ما هذا ؟! العمال والعاملات يلبسون الأزرق ! كيف ذلك ؟ اللون الأبيض للطبيب كان أجمل بكثير ! كان أحدهم أو إحداهن يرتدينه مختالاً ومزهوًا ترمقه العيون في غبطة وإكبار ، ما الهدف وقد تعاهد عليه الجمع ؟! ربما في هذه المشفى فقط ، ربما !
ذهب ليستريح قليلاً من فكره واستلقى على سريره ، وما هي إلا لحظات وعلت الأصوات وكأنها الصرخات ، سأل مَن بجواره ، ما الأمر ؟! رد عليه قائلاً : موشح كل يوم يا رفيقي ! الممرضات واستلام الورديات ، كل منهن تنتظر الأخرى لتستلم مكانها ، وهذه الصرخات مِن تأخير بعضهن وغضب مَن تنتظر !
سأله قائلاً ، هل الممرضات لهن قسم يقسمن عليه حين تخرجهن ؟ قال نعم يا أخي ، لكل مهنة قسم ، رد قائلاً وأين القسم يا أخي ؟ ألم تعلم تلك الممرضات أن المرضى في حاجة إلى الهدوء ؟!
حاول أن يغفو على تلك الصرخات التي أخذت من الوقت الكثير وكأنهن في الشوارع أو الأسواق وليسوا في مشفى يكتظ بالمرضى والجرحى وأنينهم في كل جانب ، قليلاً واستبدلت هذه الصرخات بجريهن هنا وهناك ، عربات تجري ، مزاح يلقى من هذا لذاك وهذه لتلك ، خبط على الأبواب لجمع حق إقامة المرافق للمريض ، حتى المرافق أوجبوا عليه تذكرةً وقد كان فيما غَبَر له حق الإقامة دون غُرم ، ناهيك عن عاملات المشفى اللائي يدخلن الواحدة تلو الأخرى جماعات أو فرادى كالمتسولات يسألن حق الشاي !
سأل مَن بجواره ، هل العاملات يُقسمن على مهنتهن هذه يا رفيقي ؟!
.
... منال